مصادر حديث الغدير من السنة و الشيعة

  1. مصادر حديث الغدير

قبل البحث في دلالات حديث الغدير أجد من الضروري إلقاء نظرة على صيغة الحديث في مصادره عند الشيعة والسنّة ، ليحصل الاطمئنان بأنه من الأحاديث المتواترة الثابتة في كتب الفريقين ، وللتأكيد بأنّ اللفظ وهو (المولى) الذي نستدل به على جعل الإمامة لعليّ(عليه السلام) من قبل النبي(صلى الله عليه وآله) ، موجود في جميع الصيغ الواردة في كتب علماء الفريقين .

 

  • حديث الغدير في مصادر أهل السنة

1 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا بلى يارسول الله . قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(1) .

2 ـ وعن زاذان أبي عمر قال : سمعت عليّاً في الرحبة ، وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم وهو يقول ما قال .

فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه »(2).

3 ـ «إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال يوم غدير خم : «من كنتُ مولاه» فعلي مولاه قال (ربما الراوي وهو أبو مريم أو غيره) فزاد الناس بعد : والِ من والاه وعادِ من عاداه»(3).

وفيه : أنّ هذه الزيادة ليست من الناس ، بل هي رواية عن النبي(صلى الله عليه وآله)عن زيد عن رسول الله في حديث رقم 18522 في مسند أحمد .

ثم إن هذه الإضافة موجودة في مصادر الحديث الأخرى عند الطائفتين ، فلا إشكال في ثبوت صدورها عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، ثم إن مورد الاستشهاد إنما بصدر الحديث أي قوله(صلى الله عليه وآله) : «من كنتُ مولاه فعلي مولاه» . وليس بذيله ، أي : (اللهم والِ من والاه . . .) .

4 ـ وعن أبي سرحة أو زيد بن علي عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فعلي مولاه»(4).

5 ـ وقال سعد بن أبي وقاص لمعاوية بن أبي سفيان بعد أن نال الأخير من عليّ(عليه السلام) : «تقول هذا لرجل سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه »(5).

6 ـ «وعن عامر بن سعد عن سعد ، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)خطب فقال : أما بعد ، أيّها الناس فإني وليكم قالوا : صدقت ، ثم أخذ بيد عليّ فرفعها ثم قال : هذا ولييّ والمؤدي عني ، والِ اللهم من والاه ، وعادِ اللهم من عاداه .

7 ـ وعن عائشة بنت سعد عن سعد قال : أخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا : نعم ، صدقت يارسول الله . ثم أخذ بيد علي فرفعها : فقال : من كنت وليه فهذا وليه ، وإن الله ليوال من والاه ويعادي من عاداه»(6).

8 ـ «وعن عائشة بنت سعد عن سعد أنه قال : كنا مع رسول الله بطريق مكّة ، وهو متوجه إليها ، فلما بلغ غدير خم الذي بخم وقف الناس ثم ردّ من مضى ولحقه من تخلف فلما اجتمع الناس قال : أيّها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد . ثم قال : أيها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ثلاثاً (ثم قال) أيها الناس من وليكم؟

قالوا : الله ورسوله ـ ثلاثاً ـ ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فأقامه فقال : من كان الله ورسوله وليه فإن هذا وليه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(7).

9 ـ «روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله ، قال : لما بلغ عليّاً(عليه السلام) أنّ الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي(صلى الله عليه وآله) وتفضيله إياه على الناس ، قال(عليه السلام) : أنشد الله من بقي ممّن لقى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسمع مقاله في يوم غدير خم إلاّ قام فشهد بما سمع؟

فقام ستة ممن عن يمينه من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)وستة ممن على شماله من الصحابة أيضاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول ذلك اليوم وهو رافع بيدي علي : من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، وأحبَّ من أحبَّه وأبغض من أبغضه »(8).

«وفي مكان آخر من كتاب النهج ينقل ابن أبي الحديد هذه القطعة الإضافية «وأنس بن مالك في القوم لم يقم : فقال له يا أنس! ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها؟

فقال : ياأمير المؤمنين كبرت ونسيت . فقال : اللهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة .

قال طلحة بن عمير : فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض من عينيه»(9).

10 ـ « قال(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(10).

11 ـ «وقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) خطيباً وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا : بلى يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) .

قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(11) .

12 ـ وقال النبي(صلى الله عليه وآله) للمسلمين في عودته من حجّة الوداع : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(12) .

حديث الغدير في كتب الشيعة

ومن الواضح أن جميع كتب الشيعة التي تعرضت لسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) ، أو لفضائل علي(عليه السلام) ومناقبه ، أو التي تعرضت لمسائل الإمامة ذكرت حديث الغدير ، ونحن هنا نشير إلى بعض ماسجله علماء الشيعة في نقل حديث الغدير كنموذج لذلك :

1 ـ فلما رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل(عليه السلام)فقال : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(13) .

فنادى الناس فاجتمعوا ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : (ياأيها الناس مَن وليكم وأولى بكم من أنفسكم؟

فقالوا : الله ورسوله .

فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ـ ثلاث مرات ـ»(14) .

2 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «إني قد دعيت ويوشك أن أجيب ، وقد حان مني خفوق من بين أظهركم وإني مخلف فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض .

ثم نادى بأعلى صوته : ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟

قالوا : اللهم بلى .

فقال : فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله»(15) .

3 ـ وقال النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا وإني أشهدكم أني أشهد أنّ الله مولاي وأنا مولى كلّ مسلم وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فهل تقرّون لي بذلك وتشهدون لي به؟

فقالوا : نعم ، نشهد لك بذلك .

فقال : ألا من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله»(16) .

4 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) : من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه»(17) .

5 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فعلي مولاه»(18) .

6 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله»(19) .

وأثبت المحدث هاشم البحراني 88 حديثاً في الغدير من طرق العامة و36 رواية من طرق الشيعة(20) .

ولقد أحصى السيّد المحقّق الطباطبائي في كتابه (الغدير في التراث الإسلامي) 164 كتاباً صنف حول واقعة الغدير .

معاني حديث الغدير

وبعد أن ألقينا ضوءاً كافياً على أصل الحديث ، واهتمام رواة الحديث وأرباب السنن بنقله ، نتناول دلالة حديث الغدير على ثبوت امامة علي بن أبي طالب(عليه السلام) بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) ، ونستعرض أهم الشبهات التي اُثيرت على ذلك ، وحاولت ـ بعد التسليم بصدور الحديث عن النبي(صلى الله عليه وآله) ـ تفسيره بمعان لا تساعد عليها اللغة والاستعمال والقرائن العامة التي حفّت بالحديث .

استعمال لفظ المولى

استعملت لفظة المولى في القرآن الكريم في اللغة في معان عديدة :

1 ـ فقد وردت بمعنى (الأولى) في تفسير قوله تعالى : { فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(21) .

واختاره أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه في القرآن (المجاز) ، في تفسيره الآية المتقدمة ، واستشهد ببيت لبيد :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها(22)

وقال به الزجاج والفراء أيضاً .

2 ـ ووردت بمعنى المتصرف بالأمر في تفسير قوله تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ}(23) .

قال الفخر الرازي في تفسيره ناقلا عن القفال :

هو مولاكم : سيدكم والمتصرف فيكم(24) .

3 ـ وردت بمعنى المتولي في الأمر في تفسير قوله تعالى :

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}(25) كما اختاره أبو العباس(26) .

4 ـ وردت بمعنى الناصر في تفسير قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ}(27) كما ذكر ذلك الشيخ المفيد(قدس سره)(28) وفسر لفظ المولى بمعنى الولي أيضاً كما عن الحاكم الحسكاني(29) .

5 ـ ووردت بمعنى الوارث كما في تفسير قوله تعالى : { وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ . . .}(30) «وقال السدي : إنّ الموالي بمعنى الورثة وهو أقواها»(31) .

6 ـ ووردت بمعنى الصاحب في تفسير قوله تعالى : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}(32) كما اختاره الطبرسي في تفسيره(33) .

7 ـ ووردت بمعنى المالك كما في تفسير قوله تعالى :

{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ}(34) .

كما أشار إليه ابن الجوزي في تذكرته(35) .

8 ـ وجاءت بمعنى العبد ، وقيل : ابن العم(36) في تفسير قوله تعالى :

{ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ}(37) .

9 ـ ووردت بمعنى ابن العم ، قال الفضل بن العباس في ذلك :

مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تظهرون لنا ماكان مدفونا(38)

10 ـ ووردت بمعنى الحليف ، حيث قال الشاعر :

موالي حلف لاموالي قرابة *** لكن قطينا يسألون الاتاويا(39)

11 ـ ووردت بمعنى الربّ ومنه قول القائل :

«وقد وكلكم إلى المولى الكافي» أي الرب(40) .

12 ـ ووردت بمعنى السيد ، فقد ورد في مجمع البحرين : «وتنكيل المولى بعبده بأن يجذع أنفه»(41) .

وقال الخليل الفراهيدي :

والموالي بنو العم ، والموالي من أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) من يحرم عليه الصدقة .

والمولى : المعتق والحليف والولي(42) .

والولي والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما ، يُقال في معنى الفاعل أي الموالي وفي معنى المفعول أي الموالي يُقال للمؤمن هو ولي الله ولم يرد مولاه(43) .

وقد يُقال : بأنه إذا كان النبي(صلى الله عليه وآله) أراد أن ينصب علياً إماماً للمسلمين من بعده ، فلماذا لم يذكر ذلك بلفظ يكون نصّاً في المعنى ، فلا يقع النزاع بعد ذلك؟

والجواب

إنّ حديث الغدير وماتقدمه من كلام وما تأخر عنه يدل دلالة واضحة على مراد النبي(صلى الله عليه وآله) في تعيين علياً إماماً بعده ، فإذا أمكن النقاش في دلالة حديث الغدير; ودعوى عدم وضوحه في إفادة المعنى ، فإنه يمكن النقاش في كل نص يرد لا يحتمل معنى آخر غير معنى الإمامة على تقدير صدوره من النبي(صلى الله عليه وآله) كما ردّ طلب النبي ـ وهو على فراش الموت ـ في أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا من بعده أبداً ، حيث رفض عمر بن الخطاب ذلك الطلب وقال : إنّ الرجل ليهجر(44) أو غلب عليه الوجع كما روى ذلك البخاري بسنده عن عبيدالله بن عبد الله عن ابن عباس قال : لما اشتد بالنبي(صلى الله عليه وآله) وجعه قال : أئتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده قال عمر : إنّ النبي(صلى الله عليه وآله)غلب عليه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط قال(صلى الله عليه وآله) : قوموا عني ولا ينبغي عندنا النزاع ، فخرج ابن عباس يقول : الرزيئة كل الرزيئة ماحال بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبين كتابه(45) .

وفي رواية أخرى روى البخاري بسنده عن ابن عباس قال : لما حضر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفي البيت رجال فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، فقال بعضهم : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله(46) .

هذه أهم موارد استعمال لفظة (المولى) التي جاءت في القرآن الكريم وفي كلمات العرب وشعرهم ، ولكن علماء الحديث والعقائد ذكروا للفظ المولى معان أُخر غير التي ذكرناها ، فقد ذكر ابن الجوزي : أن علماء العربية قالوا : إن لفظة المولى ترد على عشرة وجوه وهي :

الأول : المالك ، ومنه قوله تعالى :

{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ} .

أي على مالك رقه .

والثاني : بمعنى المولى المعتق بكسر التاء .

والثالث : بمعنى المعتق بفتح التاء .

والرابع : بمعنى الناصر ومنه قوله تعالى :

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} .

أي لا ناصر لهم .

والخامس : بمعنى ابن العم قال الشاعر :

مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

وقال آخر :

هم الموالي حتفوا علينا وإنا من لقائهم لزور

وحكى صاحب الصحاح عن أبي عبيدة أن قائل هذا البيت عني بالموالي بني العم ، قال : وهو كقوله تعالى :

{ثم يخرجكم طفلا} .

والسادس : الحليف قال الشاعر :

موالي حلف لا موالي قرابة ولكن قطينا يسألون الاتاويا

يقول هم حلفاء لا أبناء عم قال في الصحاح وأما قول الفرزدق :

ولو كان عبد الله مولى هجوته ولكن عبد الله مولى موالينا

فلأنّ عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين ، وهم حلفاء بني عبدشمس ابن عبدمناف ، والحليف عند العرب مولى ، وإنما نصب المواليا لأنه رده إلى أصله للضرورة ، وإنما لم ينون مولى لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف .

والسابع : المتولي لضمان الجريرة وحيازة الميراث ، وكان ذلك في الجاهلية ثم نسخ بآية المواريث .

والثامن : الجار وإنما سمي به لماله من الحقوق بالمجاورة .

والتاسع : السيد المطاع وهو المولى المطلق قال في الصحاح : كل من ولي أمر أحد فهو وليه .

والعاشر : بمعنى الأولى ، قال الله تعالى : { فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي أولى بكم(47) .

وقال أبو بكر محمد بن القاسم الانباري في كتابه في القرآن المعروف بـ (المشكل) :

«والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام :

المنعم ، المعتق ، والمعتق بالفتح ـ ، والاولى بالشيء والجار ، وابن العم ، والصهر والحليف ، وقد استشهد على كل قسم من أقسام المولى بشيء من الشعر»(48) وجعلها شيخنا الامين(قدس سره)في غديره سبعة وعشرين معنى(49) .

معنى لفظ المولى في لغة العرب

وهكذا يتضح أنّ لفظ المولى في اللغة استعمل في عدة معان ، ولكن نسأل هل اللفظ موضوع ـ لغةً ـ لمعنى الأولى ، واستعمل في سائر المعاني على نحو المجاز كما في استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع بمناسبة شجاعته ، فيكون الاستعمال فيها مجازاً وفي الأولى على نحو الحقيقة ، أو أن تلك المعاني أيضاً معان حقيقية للفظ المولى ، فالاشتراك معنوي ، أو أن الاشتراك في اللفظ بنحو الاشتراك اللفظي؟

هل لفظ المولى مشترك لفظي؟

عُرف المشترك اللفظي بـ :

«أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنيين ، أو لمعان بأوضاع متعددة كلفظ العين للباصرة والجارية والذهب»(50) .

وقد عرفه أهل الاصول بعبارة أوضح : «اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل اللغة»(51) .

ومن الواضح أنّ لفظ المولى ليس كذلك ، إذ معانيه ليست متباينة ، إنما فيها معنى مشترك ، وإن كان يوجد تفاوت في نسبة صدق المعنى الواحد عليها بنحو سواء ، كما أنه من تتبع معاني لفظ المولى يستشعر أنّ اللفظ لم يوضع لتلك المعاني بنحو الوضع المستقل لكل معنى عن وضعه للآخر .

هل لفظ المولى حقيقة في الأولى مجاز في غيره؟

عرف المعنى الحقيقي بأنه : «استعمال اللفظ فيما وضع له في الاصطلاح الذي وقع به التخاطب» .

وعرف المعنى المجازي بأنه : استعمال اللفظ في غير ماوضع له في أصل تلك المواضعة للعلاقة(52) .

وعرف أيضاً بأنّ المعنى الحقيقي هو : «استعمال الكلمة فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب» .

أما المجاز فهو : «استعمال الكلمة في غيرما وضعت له في اصطلاح التخاطب»(53) والتعريفان متطابقان في المضمون .

وهذاالتعريف لاينطبق على لفظ المولى في معانيه المتعددة، وذلك لأنه كما استعمل في معنى(الاولى) بلاقرينة،كذلك أستعمل في سائر المعاني بلا قرينة أيضاً ، مع أن الاستعمال المجازي للفظ لا يصح بلا قرينة ، وهذا يدل على أن بقية المعاني هي أيضاً معاني حقيقة للفظ المولى .

هل لفظ المولى مشترك معنوي؟

المشترك المعنوي :

«هو أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنى كلي كالانسان للحيوان الناطق»(54) .

وحيث إنّ هذا التعريف ينطبق على لفظ المولى للأدلة التي سنذكرها لاحقاً ، يكون لفظ المولى موضوعاً ـ في اللغة ـ لمعنى الأولى ، غاية الأمر أن الأولوية تختلف في كل مورد عن المورد الآخر فمثلا النبي(صلى الله عليه وآله) مولى المؤمنين يعني : هو أولى بهم من أنفسهم في أمورهم ، وله الأمر والنهي ، وله عليهم حقّ الطاعة ، والمولى بمعنى الوارث ، يعني أن الابن أو غيره من الورثة أولى من أي شخص آخر بمال مورثه المتوفى ، والمولى بمعنى الناصر ، كأن يُقال العباس بن علي مولى الحسين(عليه السلام)يعني : أن العباس(عليه السلام)أولى الناس بنصرة الحسين(عليه السلام) من غيره لمعرفته به ، وهكذا يكون معنى الأولوية موجوداً في جميع معاني لفظ المولى مع اختلاف في مصداق الأولوية كما يطلق لفظ إنسان على زيد وعمرو وبكر فإنهم جميعاً يصدق عليهم لفظ إنسان مع اختلاف كل مصداق عن المصداق الآخر ببعض الأمور .

والصحيح هو : أنّ لفظ المولى مشترك معنوي بدلالة تبادر معنى الأولوية منه رغم تعدد كيفيات الأولوية ، وبدليل صحة استعمال لفظ الأولى مكان المولى ، فيصح القول : «النبي(صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين» بدل قولنا «النبي(صلى الله عليه وآله) مولى المؤمنين» ويصح القول : (الاب أولى بالولد) بدل قولنا : (الاب مولى ولده) وهكذا ، وهذا يدل على أن لفظ المولى يعني الأولى .

برهان المعاني الباقية

ويمكن الاستدلال على أن النبي(صلى الله عليه وآله)أراد معنى الأولى من لفظ المولى بالقول : إن النبي(صلى الله عليه وآله) لا يريد بالمولى المعتق أي مالك الرق الذي يملك المولى عبده وله أن يبيعه ويهبه ، إذ ليس كل من ملكه النبي(صلى الله عليه وآله) ملكه علي . ولا يريد به العبد .

ولا يقصد النبي(صلى الله عليه وآله) من لفظ المولى (ابن العم) ، لأن من كان ابن عم النبي(صلى الله عليه وآله)فهو ابن عم علي(عليه السلام) بلا حاجة إلى تجشم عناء بيان ذلك تحت أشعة الشمس الحارقة وإبلاغ المسلمين بذلك .

وكذلك لا يقصد النبي(صلى الله عليه وآله) بلفظ المولى (العاقبة) إذ لا معنى له في جملة (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه) .

ولا يمكن أن يريد به معنى الناصر; لأن المسلمين كلهم أنصار لمن نصره النبي(صلى الله عليه وآله) فلا معنى لتخصيص علي(عليه السلام)بالنصرة عن جماعة المسلمين .

ولا يقصد به(صلى الله عليه وآله) معنى الحليف ، لأن علياً حليف لجميع حلفاء النبي(صلى الله عليه وآله) .

وكذلك لا يريد النبي(صلى الله عليه وآله) من لفظ المولى أن علياً وارث لكل من يرثه النبي(صلى الله عليه وآله) .

أما معنى المتولي بالأمر والمتصرف فيه ، فإنه لو قصد هذا المعنى فإنه يقصد الأولى; لأن المتولي للأمور والمتصرف فيه إنما يكون للأولى بالتصرف في الأمور ، أي من له حق الأمر والنهي والطاعة . . . وكذلك لا يريد النبي(صلى الله عليه وآله)سائر معاني المولى نظير الصاحب والشريك والرب والجار ويظهر ذلك بأدنى تأمل في سياق الرواية ، وفي القرائن العامة ، فيبقى المعنى الوحيد المحتمل وهو الأولى بالمسلمين من أنفسهم فيجب حمله عليه .

ويدل على أولويّة علي(عليه السلام)بالخلافة من جميع الأنصار والمهاجرين اعتراف هؤلاء بأولوية علي(عليه السلام) منهم في ذلك ، إلاّ أنهم طعنوا ذلك ببعض الأمور .

ففي شرح النهج لابن الحديد المعتزلي ورد :

«أن عمر قال : يا ابن عباس أما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّا خفناه على اثنين . . . فقلت : ـ أي ابن عباس ـ قال : وماهما يا أمير المؤمنين؟

قال : خفناه على حداثة سنّه ، وحبّه بني عبد المطلب»(55) .

وفيما يلي بعض الشواهد على أن المراد بلفظ المولى في حديث الغدير معنى الأولوية دون غيرها من المعاني :

الشاهد الأول: شعر حسان بن ثابت

مانظمه حسان بن ثابت شاعر الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد فراغ النبي(صلى الله عليه وآله) من واقعة الغدير ، حيث فهم منه حسان أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نصب علياً(عليه السلام) ولياً للمؤمنين ، وأولى بهم من أنفسهم كما أن النبي(صلى الله عليه وآله)كذلك ـ أي ولى بالمسلمين من انفسهم ـ حيث إنّ حسان بن ثابت استأذن النبي(صلى الله عليه وآله) أن يقول شعراً في الواقعة ، فأذن له النبي(صلى الله عليه وآله)فأنشد أبياتاً منها :

فقال له قم ياعلي فإنني *** رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

«ويروى أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال لحسان بعد أن فرغ من شعره : لا تزال مؤيداً بروح القدس مانصرتنا أو نافحت عنا بلسانك»(56) .

وكذلك ما قاله الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة الانصاري :

وعلي إمامنا وإمام *** لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولاه *** فهذا علي خطب جليل(57)

الشاهد الثاني: كلام ابن منظور الديلمي

قال : أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبدالله بن منظور الديلمي(إمام الكوفيين في النحو واللغة والادب) في كتاب (معاني القرآن) : الولي والمولى في كلام العربواحد وفي قراءة عبدالله بن مسعود:

«إنما مولاكم الله ورسوله مكان وليكم»(58) وإنما يكون الولي ولياً ، إذا كان أولى من كل أحد في الأمر والنهي والطاعة من قبل الآخرين .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسند أحمد ، رقم الحديث 915 .

(2) مسند أحمد ، رقم الحديث 906 .

(3) مسند أحمد ، رقم الحديث 1242 .

(4) مسند الترمذي ، كتاب المناقب ـ رقم الحديث 3646 .

(5) سنن بن ماجة ، رقم الحديث 118 .

(6) خصائص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : 176 حديث رقم 94 و95 .

(7) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 2 : 53 .

(8) شرح ابن أبي الحديد 2 : 287 .

(9) شرح نهج البلاغة 4 : 4 .

(10) الصواعق المحرقة : 122 .

(11) تاريخ اليعقوبي 2 : 112 .

(12) المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين ، المجلد الرابع : الخلفاء الراشدون : 443 .

(13) سورة المائدة : 67 .

(14) الأصول من الكافي 1 : 295 .

(15) الارشاد ، للمفيد : 94 .

(16) الخصال : 166 حديث رقم 98 .

(17) كمال الدين وتمام النعمة : 103 .

(18) التوحيد : 212 ـ باب أسماء الله تعالى .

(19) معاني الاخبار : 63 حديث رقم 1 .

(20) راجع كتاب كشف المهم في طريق خبر غدير خم .

(21) سورة الحديد : 16 .

(22) الشافي 2 : 177 .

(23) سورة الحج : 78 .

(24) تفسير الرازي 6 : 210 .

(25) سورة محمد : 11 .

(26) الغدير 1 : 367 .

(27) سورة محمد : 11 .

(28) عدة رسائل : 186 للشيخ المفيد .

(29) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 2 : 174 .

(30) النساء : 33; راجع تفسير الميزان 4 : 363 .

(31) التبيان في تفسير القرآن 3 : 186 .

(32) سورة الدخان : 42 .

(33) مجمع البيان 9 : 101 .

(34) سورة النحل : 76 .

(35) تذكرة الخواص : 37 .

(36) مجمع البيان 7 : 528 .

(37) سورة الاحزاب : 5 .

(38) التبيان في تفسير القرآن 3 : 187 .

(39) تذكرة الخواص : 38 .

(40) البداية والنهاية 6 : 334 .

(41) مجمع البحرين 4 : 373 .

(42) كتاب العين 8 : 365 ، للخليل الفراهيدي .

(43) مفردات غريب القرآن : 523 .

(44) على ماأخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة كما روى ذلك ابن أبي الحديد 2 : 20 ، طبعة مصر راجع كتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة ، للسيد شرف الدين : 105 .

(45) صحيح البخاري 1 : 37 .

(46) صحيح البخاري 5 : 137 .

(47) تذكرة الخواص : 37 ـ 38 .

(48) الشافي 2 : 181 .

(49) راجع الغدير 1 : 362 .

(50) جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 1 : 118 .

(51) هامش كتاب مبادئ الوصول إلى علم الأصول عن كتاب المزهر 1 : 369 .

(52) مبادئ الوصول إلى علم الأصول : 76 .

(53) تلخيص المفتاح في المعاني والبيان والبديع : 262 .

(54) جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 1 : 118 .

(55) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10 : 20 .

(56) تذكرة الخواص : 39 .

(57) الغدير 1 : 340 . وراجع كتاب (خصائص الأئمة) للشريف الرمصادر حديث الغدير

قبل البحث في دلالات حديث الغدير أجد من الضروري إلقاء نظرة على صيغة الحديث في مصادره عند الشيعة والسنّة ، ليحصل الاطمئنان بأنه من الأحاديث المتواترة الثابتة في كتب الفريقين ، وللتأكيد بأنّ اللفظ وهو (المولى) الذي نستدل به على جعل الإمامة لعليّ(عليه السلام) من قبل النبي(صلى الله عليه وآله) ، موجود في جميع الصيغ الواردة في كتب علماء الفريقين .

 

حديث الغدير في مصادر أهل السنة

1 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا بلى يارسول الله . قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(1) .

2 ـ وعن زاذان أبي عمر قال : سمعت عليّاً في الرحبة ، وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم وهو يقول ما قال .

فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه »(2).

3 ـ «إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال يوم غدير خم : «من كنتُ مولاه» فعلي مولاه قال (ربما الراوي وهو أبو مريم أو غيره) فزاد الناس بعد : والِ من والاه وعادِ من عاداه»(3).

وفيه : أنّ هذه الزيادة ليست من الناس ، بل هي رواية عن النبي(صلى الله عليه وآله)عن زيد عن رسول الله في حديث رقم 18522 في مسند أحمد .

ثم إن هذه الإضافة موجودة في مصادر الحديث الأخرى عند الطائفتين ، فلا إشكال في ثبوت صدورها عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، ثم إن مورد الاستشهاد إنما بصدر الحديث أي قوله(صلى الله عليه وآله) : «من كنتُ مولاه فعلي مولاه» . وليس بذيله ، أي : (اللهم والِ من والاه . . .) .

4 ـ وعن أبي سرحة أو زيد بن علي عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فعلي مولاه»(4).

5 ـ وقال سعد بن أبي وقاص لمعاوية بن أبي سفيان بعد أن نال الأخير من عليّ(عليه السلام) : «تقول هذا لرجل سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه »(5).

6 ـ «وعن عامر بن سعد عن سعد ، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)خطب فقال : أما بعد ، أيّها الناس فإني وليكم قالوا : صدقت ، ثم أخذ بيد عليّ فرفعها ثم قال : هذا ولييّ والمؤدي عني ، والِ اللهم من والاه ، وعادِ اللهم من عاداه .

7 ـ وعن عائشة بنت سعد عن سعد قال : أخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا : نعم ، صدقت يارسول الله . ثم أخذ بيد علي فرفعها : فقال : من كنت وليه فهذا وليه ، وإن الله ليوال من والاه ويعادي من عاداه»(6).

8 ـ «وعن عائشة بنت سعد عن سعد أنه قال : كنا مع رسول الله بطريق مكّة ، وهو متوجه إليها ، فلما بلغ غدير خم الذي بخم وقف الناس ثم ردّ من مضى ولحقه من تخلف فلما اجتمع الناس قال : أيّها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد . ثم قال : أيها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ثلاثاً (ثم قال) أيها الناس من وليكم؟

قالوا : الله ورسوله ـ ثلاثاً ـ ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فأقامه فقال : من كان الله ورسوله وليه فإن هذا وليه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(7).

9 ـ «روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله ، قال : لما بلغ عليّاً(عليه السلام) أنّ الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي(صلى الله عليه وآله) وتفضيله إياه على الناس ، قال(عليه السلام) : أنشد الله من بقي ممّن لقى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسمع مقاله في يوم غدير خم إلاّ قام فشهد بما سمع؟

فقام ستة ممن عن يمينه من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)وستة ممن على شماله من الصحابة أيضاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول ذلك اليوم وهو رافع بيدي علي : من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، وأحبَّ من أحبَّه وأبغض من أبغضه »(8).

«وفي مكان آخر من كتاب النهج ينقل ابن أبي الحديد هذه القطعة الإضافية «وأنس بن مالك في القوم لم يقم : فقال له يا أنس! ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها؟

فقال : ياأمير المؤمنين كبرت ونسيت . فقال : اللهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة .

قال طلحة بن عمير : فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض من عينيه»(9).

10 ـ « قال(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(10).

11 ـ «وقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) خطيباً وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا : بلى يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) .

قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(11) .

12 ـ وقال النبي(صلى الله عليه وآله) للمسلمين في عودته من حجّة الوداع : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(12) .

حديث الغدير في كتب الشيعة

ومن الواضح أن جميع كتب الشيعة التي تعرضت لسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) ، أو لفضائل علي(عليه السلام) ومناقبه ، أو التي تعرضت لمسائل الإمامة ذكرت حديث الغدير ، ونحن هنا نشير إلى بعض ماسجله علماء الشيعة في نقل حديث الغدير كنموذج لذلك :

1 ـ فلما رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل(عليه السلام)فقال : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(13) .

فنادى الناس فاجتمعوا ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : (ياأيها الناس مَن وليكم وأولى بكم من أنفسكم؟

فقالوا : الله ورسوله .

فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ـ ثلاث مرات ـ»(14) .

2 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «إني قد دعيت ويوشك أن أجيب ، وقد حان مني خفوق من بين أظهركم وإني مخلف فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض .

ثم نادى بأعلى صوته : ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟

قالوا : اللهم بلى .

فقال : فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله»(15) .

3 ـ وقال النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا وإني أشهدكم أني أشهد أنّ الله مولاي وأنا مولى كلّ مسلم وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فهل تقرّون لي بذلك وتشهدون لي به؟

فقالوا : نعم ، نشهد لك بذلك .

فقال : ألا من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله»(16) .

4 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) : من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه»(17) .

5 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فعلي مولاه»(18) .

6 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله»(19) .

وأثبت المحدث هاشم البحراني 88 حديثاً في الغدير من طرق العامة و36 رواية من طرق الشيعة(20) .

ولقد أحصى السيّد المحقّق الطباطبائي في كتابه (الغدير في التراث الإسلامي) 164 كتاباً صنف حول واقعة الغدير .

معاني حديث الغدير

وبعد أن ألقينا ضوءاً كافياً على أصل الحديث ، واهتمام رواة الحديث وأرباب السنن بنقله ، نتناول دلالة حديث الغدير على ثبوت امامة علي بن أبي طالب(عليه السلام) بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) ، ونستعرض أهم الشبهات التي اُثيرت على ذلك ، وحاولت ـ بعد التسليم بصدور الحديث عن النبي(صلى الله عليه وآله) ـ تفسيره بمعان لا تساعد عليها اللغة والاستعمال والقرائن العامة التي حفّت بالحديث .

استعمال لفظ المولى

استعملت لفظة المولى في القرآن الكريم في اللغة في معان عديدة :

1 ـ فقد وردت بمعنى (الأولى) في تفسير قوله تعالى : { فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(21) .

واختاره أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه في القرآن (المجاز) ، في تفسيره الآية المتقدمة ، واستشهد ببيت لبيد :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها(22)

وقال به الزجاج والفراء أيضاً .

2 ـ ووردت بمعنى المتصرف بالأمر في تفسير قوله تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ}(23) .

قال الفخر الرازي في تفسيره ناقلا عن القفال :

هو مولاكم : سيدكم والمتصرف فيكم(24) .

3 ـ وردت بمعنى المتولي في الأمر في تفسير قوله تعالى :

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}(25) كما اختاره أبو العباس(26) .

4 ـ وردت بمعنى الناصر في تفسير قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ}(27) كما ذكر ذلك الشيخ المفيد(قدس سره)(28) وفسر لفظ المولى بمعنى الولي أيضاً كما عن الحاكم الحسكاني(29) .

5 ـ ووردت بمعنى الوارث كما في تفسير قوله تعالى : { وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ . . .}(30) «وقال السدي : إنّ الموالي بمعنى الورثة وهو أقواها»(31) .

6 ـ ووردت بمعنى الصاحب في تفسير قوله تعالى : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}(32) كما اختاره الطبرسي في تفسيره(33) .

7 ـ ووردت بمعنى المالك كما في تفسير قوله تعالى :

{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ}(34) .

كما أشار إليه ابن الجوزي في تذكرته(35) .

8 ـ وجاءت بمعنى العبد ، وقيل : ابن العم(36) في تفسير قوله تعالى :

{ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ}(37) .

9 ـ ووردت بمعنى ابن العم ، قال الفضل بن العباس في ذلك :

مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تظهرون لنا ماكان مدفونا(38)

10 ـ ووردت بمعنى الحليف ، حيث قال الشاعر :

موالي حلف لاموالي قرابة *** لكن قطينا يسألون الاتاويا(39)

11 ـ ووردت بمعنى الربّ ومنه قول القائل :

«وقد وكلكم إلى المولى الكافي» أي الرب(40) .

12 ـ ووردت بمعنى السيد ، فقد ورد في مجمع البحرين : «وتنكيل المولى بعبده بأن يجذع أنفه»(41) .

وقال الخليل الفراهيدي :

والموالي بنو العم ، والموالي من أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) من يحرم عليه الصدقة .

والمولى : المعتق والحليف والولي(42) .

والولي والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما ، يُقال في معنى الفاعل أي الموالي وفي معنى المفعول أي الموالي يُقال للمؤمن هو ولي الله ولم يرد مولاه(43) .

وقد يُقال : بأنه إذا كان النبي(صلى الله عليه وآله) أراد أن ينصب علياً إماماً للمسلمين من بعده ، فلماذا لم يذكر ذلك بلفظ يكون نصّاً في المعنى ، فلا يقع النزاع بعد ذلك؟

والجواب

إنّ حديث الغدير وماتقدمه من كلام وما تأخر عنه يدل دلالة واضحة على مراد النبي(صلى الله عليه وآله) في تعيين علياً إماماً بعده ، فإذا أمكن النقاش في دلالة حديث الغدير; ودعوى عدم وضوحه في إفادة المعنى ، فإنه يمكن النقاش في كل نص يرد لا يحتمل معنى آخر غير معنى الإمامة على تقدير صدوره من النبي(صلى الله عليه وآله) كما ردّ طلب النبي ـ وهو على فراش الموت ـ في أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا من بعده أبداً ، حيث رفض عمر بن الخطاب ذلك الطلب وقال : إنّ الرجل ليهجر(44) أو غلب عليه الوجع كما روى ذلك البخاري بسنده عن عبيدالله بن عبد الله عن ابن عباس قال : لما اشتد بالنبي(صلى الله عليه وآله) وجعه قال : أئتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده قال عمر : إنّ النبي(صلى الله عليه وآله)غلب عليه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط قال(صلى الله عليه وآله) : قوموا عني ولا ينبغي عندنا النزاع ، فخرج ابن عباس يقول : الرزيئة كل الرزيئة ماحال بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبين كتابه(45) .

وفي رواية أخرى روى البخاري بسنده عن ابن عباس قال : لما حضر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفي البيت رجال فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، فقال بعضهم : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله(46) .

هذه أهم موارد استعمال لفظة (المولى) التي جاءت في القرآن الكريم وفي كلمات العرب وشعرهم ، ولكن علماء الحديث والعقائد ذكروا للفظ المولى معان أُخر غير التي ذكرناها ، فقد ذكر ابن الجوزي : أن علماء العربية قالوا : إن لفظة المولى ترد على عشرة وجوه وهي :

الأول : المالك ، ومنه قوله تعالى :

{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ} .

أي على مالك رقه .

والثاني : بمعنى المولى المعتق بكسر التاء .

والثالث : بمعنى المعتق بفتح التاء .

والرابع : بمعنى الناصر ومنه قوله تعالى :

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} .

أي لا ناصر لهم .

والخامس : بمعنى ابن العم قال الشاعر :

مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

وقال آخر :

هم الموالي حتفوا علينا وإنا من لقائهم لزور

وحكى صاحب الصحاح عن أبي عبيدة أن قائل هذا البيت عني بالموالي بني العم ، قال : وهو كقوله تعالى :

{ثم يخرجكم طفلا} .

والسادس : الحليف قال الشاعر :

موالي حلف لا موالي قرابة ولكن قطينا يسألون الاتاويا

يقول هم حلفاء لا أبناء عم قال في الصحاح وأما قول الفرزدق :

ولو كان عبد الله مولى هجوته ولكن عبد الله مولى موالينا

فلأنّ عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين ، وهم حلفاء بني عبدشمس ابن عبدمناف ، والحليف عند العرب مولى ، وإنما نصب المواليا لأنه رده إلى أصله للضرورة ، وإنما لم ينون مولى لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف .

والسابع : المتولي لضمان الجريرة وحيازة الميراث ، وكان ذلك في الجاهلية ثم نسخ بآية المواريث .

والثامن : الجار وإنما سمي به لماله من الحقوق بالمجاورة .

والتاسع : السيد المطاع وهو المولى المطلق قال في الصحاح : كل من ولي أمر أحد فهو وليه .

والعاشر : بمعنى الأولى ، قال الله تعالى : { فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي أولى بكم(47) .

وقال أبو بكر محمد بن القاسم الانباري في كتابه في القرآن المعروف بـ (المشكل) :

«والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام :

المنعم ، المعتق ، والمعتق بالفتح ـ ، والاولى بالشيء والجار ، وابن العم ، والصهر والحليف ، وقد استشهد على كل قسم من أقسام المولى بشيء من الشعر»(48) وجعلها شيخنا الامين(قدس سره)في غديره سبعة وعشرين معنى(49) .

معنى لفظ المولى في لغة العرب

وهكذا يتضح أنّ لفظ المولى في اللغة استعمل في عدة معان ، ولكن نسأل هل اللفظ موضوع ـ لغةً ـ لمعنى الأولى ، واستعمل في سائر المعاني على نحو المجاز كما في استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع بمناسبة شجاعته ، فيكون الاستعمال فيها مجازاً وفي الأولى على نحو الحقيقة ، أو أن تلك المعاني أيضاً معان حقيقية للفظ المولى ، فالاشتراك معنوي ، أو أن الاشتراك في اللفظ بنحو الاشتراك اللفظي؟

هل لفظ المولى مشترك لفظي؟

عُرف المشترك اللفظي بـ :

«أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنيين ، أو لمعان بأوضاع متعددة كلفظ العين للباصرة والجارية والذهب»(50) .

وقد عرفه أهل الاصول بعبارة أوضح : «اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل اللغة»(51) .

ومن الواضح أنّ لفظ المولى ليس كذلك ، إذ معانيه ليست متباينة ، إنما فيها معنى مشترك ، وإن كان يوجد تفاوت في نسبة صدق المعنى الواحد عليها بنحو سواء ، كما أنه من تتبع معاني لفظ المولى يستشعر أنّ اللفظ لم يوضع لتلك المعاني بنحو الوضع المستقل لكل معنى عن وضعه للآخر .

هل لفظ المولى حقيقة في الأولى مجاز في غيره؟

عرف المعنى الحقيقي بأنه : «استعمال اللفظ فيما وضع له في الاصطلاح الذي وقع به التخاطب» .

وعرف المعنى المجازي بأنه : استعمال اللفظ في غير ماوضع له في أصل تلك المواضعة للعلاقة(52) .

وعرف أيضاً بأنّ المعنى الحقيقي هو : «استعمال الكلمة فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب» .

أما المجاز فهو : «استعمال الكلمة في غيرما وضعت له في اصطلاح التخاطب»(53) والتعريفان متطابقان في المضمون .

وهذاالتعريف لاينطبق على لفظ المولى في معانيه المتعددة، وذلك لأنه كما استعمل في معنى(الاولى) بلاقرينة،كذلك أستعمل في سائر المعاني بلا قرينة أيضاً ، مع أن الاستعمال المجازي للفظ لا يصح بلا قرينة ، وهذا يدل على أن بقية المعاني هي أيضاً معاني حقيقة للفظ المولى .

هل لفظ المولى مشترك معنوي؟

المشترك المعنوي :

«هو أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنى كلي كالانسان للحيوان الناطق»(54) .

وحيث إنّ هذا التعريف ينطبق على لفظ المولى للأدلة التي سنذكرها لاحقاً ، يكون لفظ المولى موضوعاً ـ في اللغة ـ لمعنى الأولى ، غاية الأمر أن الأولوية تختلف في كل مورد عن المورد الآخر فمثلا النبي(صلى الله عليه وآله) مولى المؤمنين يعني : هو أولى بهم من أنفسهم في أمورهم ، وله الأمر والنهي ، وله عليهم حقّ الطاعة ، والمولى بمعنى الوارث ، يعني أن الابن أو غيره من الورثة أولى من أي شخص آخر بمال مورثه المتوفى ، والمولى بمعنى الناصر ، كأن يُقال العباس بن علي مولى الحسين(عليه السلام)يعني : أن العباس(عليه السلام)أولى الناس بنصرة الحسين(عليه السلام) من غيره لمعرفته به ، وهكذا يكون معنى الأولوية موجوداً في جميع معاني لفظ المولى مع اختلاف في مصداق الأولوية كما يطلق لفظ إنسان على زيد وعمرو وبكر فإنهم جميعاً يصدق عليهم لفظ إنسان مع اختلاف كل مصداق عن المصداق الآخر ببعض الأمور .

والصحيح هو : أنّ لفظ المولى مشترك معنوي بدلالة تبادر معنى الأولوية منه رغم تعدد كيفيات الأولوية ، وبدليل صحة استعمال لفظ الأولى مكان المولى ، فيصح القول : «النبي(صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين» بدل قولنا «النبي(صلى الله عليه وآله) مولى المؤمنين» ويصح القول : (الاب أولى بالولد) بدل قولنا : (الاب مولى ولده) وهكذا ، وهذا يدل على أن لفظ المولى يعني الأولى .

برهان المعاني الباقية

ويمكن الاستدلال على أن النبي(صلى الله عليه وآله)أراد معنى الأولى من لفظ المولى بالقول : إن النبي(صلى الله عليه وآله) لا يريد بالمولى المعتق أي مالك الرق الذي يملك المولى عبده وله أن يبيعه ويهبه ، إذ ليس كل من ملكه النبي(صلى الله عليه وآله) ملكه علي . ولا يريد به العبد .

ولا يقصد النبي(صلى الله عليه وآله) من لفظ المولى (ابن العم) ، لأن من كان ابن عم النبي(صلى الله عليه وآله)فهو ابن عم علي(عليه السلام) بلا حاجة إلى تجشم عناء بيان ذلك تحت أشعة الشمس الحارقة وإبلاغ المسلمين بذلك .

وكذلك لا يقصد النبي(صلى الله عليه وآله) بلفظ المولى (العاقبة) إذ لا معنى له في جملة (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه) .

ولا يمكن أن يريد به معنى الناصر; لأن المسلمين كلهم أنصار لمن نصره النبي(صلى الله عليه وآله) فلا معنى لتخصيص علي(عليه السلام)بالنصرة عن جماعة المسلمين .

ولا يقصد به(صلى الله عليه وآله) معنى الحليف ، لأن علياً حليف لجميع حلفاء النبي(صلى الله عليه وآله) .

وكذلك لا يريد النبي(صلى الله عليه وآله) من لفظ المولى أن علياً وارث لكل من يرثه النبي(صلى الله عليه وآله) .

أما معنى المتولي بالأمر والمتصرف فيه ، فإنه لو قصد هذا المعنى فإنه يقصد الأولى; لأن المتولي للأمور والمتصرف فيه إنما يكون للأولى بالتصرف في الأمور ، أي من له حق الأمر والنهي والطاعة . . . وكذلك لا يريد النبي(صلى الله عليه وآله)سائر معاني المولى نظير الصاحب والشريك والرب والجار ويظهر ذلك بأدنى تأمل في سياق الرواية ، وفي القرائن العامة ، فيبقى المعنى الوحيد المحتمل وهو الأولى بالمسلمين من أنفسهم فيجب حمله عليه .

ويدل على أولويّة علي(عليه السلام)بالخلافة من جميع الأنصار والمهاجرين اعتراف هؤلاء بأولوية علي(عليه السلام) منهم في ذلك ، إلاّ أنهم طعنوا ذلك ببعض الأمور .

ففي شرح النهج لابن الحديد المعتزلي ورد :

«أن عمر قال : يا ابن عباس أما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّا خفناه على اثنين . . . فقلت : ـ أي ابن عباس ـ قال : وماهما يا أمير المؤمنين؟

قال : خفناه على حداثة سنّه ، وحبّه بني عبد المطلب»(55) .

وفيما يلي بعض الشواهد على أن المراد بلفظ المولى في حديث الغدير معنى الأولوية دون غيرها من المعاني :

الشاهد الأول: شعر حسان بن ثابت

مانظمه حسان بن ثابت شاعر الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد فراغ النبي(صلى الله عليه وآله) من واقعة الغدير ، حيث فهم منه حسان أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نصب علياً(عليه السلام) ولياً للمؤمنين ، وأولى بهم من أنفسهم كما أن النبي(صلى الله عليه وآله)كذلك ـ أي ولى بالمسلمين من انفسهم ـ حيث إنّ حسان بن ثابت استأذن النبي(صلى الله عليه وآله) أن يقول شعراً في الواقعة ، فأذن له النبي(صلى الله عليه وآله)فأنشد أبياتاً منها :

فقال له قم ياعلي فإنني *** رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

«ويروى أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال لحسان بعد أن فرغ من شعره : لا تزال مؤيداً بروح القدس مانصرتنا أو نافحت عنا بلسانك»(56) .

وكذلك ما قاله الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة الانصاري :

وعلي إمامنا وإمام *** لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولاه *** فهذا علي خطب جليل(57)

الشاهد الثاني: كلام ابن منظور الديلمي

قال : أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبدالله بن منظور الديلمي(إمام الكوفيين في النحو واللغة والادب) في كتاب (معاني القرآن) : الولي والمولى في كلام العربواحد وفي قراءة عبدالله بن مسعود:

«إنما مولاكم الله ورسوله مكان وليكم»(58) وإنما يكون الولي ولياً ، إذا كان أولى من كل أحد في الأمر والنهي والطاعة من قبل الآخرين .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسند أحمد ، رقم الحديث 915 .

(2) مسند أحمد ، رقم الحديث 906 .

(3) مسند أحمد ، رقم الحديث 1242 .

(4) مسند الترمذي ، كتاب المناقب ـ رقم الحديث 3646 .

(5) سنن بن ماجة ، رقم الحديث 118 .

(6) خصائص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : 176 حديث رقم 94 و95 .

(7) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 2 : 53 .

(8) شرح ابن أبي الحديد 2 : 287 .

(9) شرح نهج البلاغة 4 : 4 .

(10) الصواعق المحرقة : 122 .

(11) تاريخ اليعقوبي 2 : 112 .

(12) المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين ، المجلد الرابع : الخلفاء الراشدون : 443 .

(13) سورة المائدة : 67 .

(14) الأصول من الكافي 1 : 295 .

(15) الارشاد ، للمفيد : 94 .

(16) الخصال : 166 حديث رقم 98 .

(17) كمال الدين وتمام النعمة : 103 .

(18) التوحيد : 212 ـ باب أسماء الله تعالى .

(19) معاني الاخبار : 63 حديث رقم 1 .

(20) راجع كتاب كشف المهم في طريق خبر غدير خم .

(21) سورة الحديد : 16 .

(22) الشافي 2 : 177 .

(23) سورة الحج : 78 .

(24) تفسير الرازي 6 : 210 .

(25) سورة محمد : 11 .

(26) الغدير 1 : 367 .

(27) سورة محمد : 11 .

(28) عدة رسائل : 186 للشيخ المفيد .

(29) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 2 : 174 .

(30) النساء : 33; راجع تفسير الميزان 4 : 363 .

(31) التبيان في تفسير القرآن 3 : 186 .

(32) سورة الدخان : 42 .

(33) مجمع البيان 9 : 101 .

(34) سورة النحل : 76 .

(35) تذكرة الخواص : 37 .

(36) مجمع البيان 7 : 528 .

(37) سورة الاحزاب : 5 .

(38) التبيان في تفسير القرآن 3 : 187 .

(39) تذكرة الخواص : 38 .

(40) البداية والنهاية 6 : 334 .

(41) مجمع البحرين 4 : 373 .

(42) كتاب العين 8 : 365 ، للخليل الفراهيدي .

(43) مفردات غريب القرآن : 523 .

(44) على ماأخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة كما روى ذلك ابن أبي الحديد 2 : 20 ، طبعة مصر راجع كتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة ، للسيد شرف الدين : 105 .

(45) صحيح البخاري 1 : 37 .

(46) صحيح البخاري 5 : 137 .

(47) تذكرة الخواص : 37 ـ 38 .

(48) الشافي 2 : 181 .

(49) راجع الغدير 1 : 362 .

(50) جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 1 : 118 .

(51) هامش كتاب مبادئ الوصول إلى علم الأصول عن كتاب المزهر 1 : 369 .

(52) مبادئ الوصول إلى علم الأصول : 76 .

(53) تلخيص المفتاح في المعاني والبيان والبديع : 262 .

(54) جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 1 : 118 .

(55) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10 : 20 .

(56) تذكرة الخواص : 39 .

(57) الغدير 1 : 340 . وراجع كتاب (خصائص الأئمة) للشريف الرضي : 43 .

(58) تلخيص الشافي 2 : 180 .ضي : 43 .

  • (58) تلخيص الشافي 2 : 180 .

Tinggalkan Balasan

Alamat email Anda tidak akan dipublikasikan. Ruas yang wajib ditandai *