لنا محبين
*لنا محبين …*
روى العلامة المجلسي قدس سره في «البحار» من الخرايج قال : روي عن الاصبغ بن نباتة قال :
دخلت في بعض الايام على أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة ، فاذا بجمٍّ غفير ومعهم عبد أسود فقالوا : يا أمير المؤمنين هذا عبد سارق ، فقال له الامام : أسارقٌ أنت يا غلام ؟ فقال له : نعم ، فقال له مرّة ثانية : أسارق أنت يا غلام ؟ فقال : نعم يا مولاي ، فقال له الامام (عليه السلام) : اِن قلتها ثالثة قطعتُ يمينك ، فقال : أسارق أنت يا غلام ؟ قال : نعم يا مولاي !
فأمَرَ الامام بقطع يَمينه فقُطِعت ، فاَخذها بشماله وهي تقطر دَماً ، فلقيه ابن الكواء ـ وكان يَشنَأ أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ
أي «يكره ويبغض» فقال له : من قَطعَ يمينك ؟
قال : قطع يميني الانزع البطين ، وباب اليقين ، وحَبل الله المتين ، والشافع يوم الدين ، المصلي اِحدى وخمسين .
قطَعَ يميني امام التقى ، وابن عمّ المصطفى ، شقيق النبي المجتبى ، ليث الثرى غيث الورى ، حتف العدى ، ومفتاح الندى ، ومصباح الدجى .
قَطَع يميني امام الحق ، وسيّد الخلق ، وفاروق الدين ، وسيّد العابدين ، وامام المتقين ، وخير المُهتدين ، واَفضَل السابقين ، وحُجّة الله على خلقه أجمعين .
قَطع يميني داحي باب خيبر ، وقاتل مَرحَب ومَن كفر ، وأفضَلُ مَن حَجَّ وأعتمر ، وهَلّل وكبّر ، وصام وأفطر ، وحَلق ونحر .
قَطعَ يميني شجاع جري ، جَوادٌ سَخي ، بُهلول شريف الاصول ، ابن عمّ الرسول ، وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ، المردود له الشمس عند الافول .
قَطعَ يميني صاحب القبلتين ، الضاربُ بالسيفين ، الطاعن بالرمحين ، ووارث المشعرين ، الذي لم يشرك بالله طرفة عين ، أسمَح كل ذي كفّين ، وأفصَحُ كل ذي شفتين ، أبو السيّدين الحسَن والحسين .
قطع يميني عين المشارق والمغارب ، تاج لؤي بن غالب ، أسَد الله الغالب ، علي بن ابي طالب عليه من الصلوات أفضلها ومن التحيات اكملُها .
فلما فرغ الغلام عن الثناء ومَضى لسبيله ، دخل عبدالله بن الكواء على الامام (عليه السلام) فقال له : السَلامُ عَليكَ يا أمير المؤمنين ، فقال له أمير المؤمنين : السلامُ على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى ، فقال له ابن الكواء : يا ابا الحسنين قطعتَ يمين غلام أسود وسمعته يثني عليك بكل جمل . فقال : وما سمعته يقول ؟ قال : كذا وكذا ، وأعاد عليه جميع ما قال الغلام .
فقال الامام (عليه السلام) لولديه الحسَن والحسين : امضيا واتياني بالعبد ، فمضيا في طلبه في كندة فقالا له : اَجب أمير المؤمنين يا غلام ، فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين قال له : قطعَتُ يَمينك وأنت تثني علي بما قد بَلغَني ؟
فقال : يا أمير المؤمنين ما قَطَعتَها اِلا بحَقّ واجب أوجَبَه الله ورسوله .
فقال الامام : اعطني الكَفّ ، فأخذ الامام الكفّ وغَطاهُ بالرداء ، وكبّر وصَلى ركعتين ، وتكلم بكلمات وسمعته يقول في آخر دعائه : آمين رَبُّ العالمين .
ورَكبّهُ على الزند وقال لأصحابه : اكشفوا الرداء عن الكف ، فكَشَفوا الرداء عن الكف واذا الكف على الزند باِذن الله .
ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ألم أقل لك يا ابن الكواء : اِن لنا مُحبّين لو قطّعنا الواحد منهم اِرباً اِرباً ما ازدادوا الا حُباً ، ولنا مُبغضين لو العقناهم العَسَل ما ازدادوا الا بغضاً ، وهكذا من يحبنا ينال شفاعتنا يوم القيامة.
مناقب آل ابي طالب لابن شهر
آشوب الجزء 2ص335