الإمام لثامن من الائمة الاثنى عشر الذين نص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الإمام علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب صلوات الله عليهم اجمعين.
لقد كانت شخصية الإمام عليه السلام، ملتقى للفضائل بجميع ابعادها وصورها فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الانسان إلا وهي من نزعاته، فقد وهبه الله كما وهب آبائه العظام وزينه بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علما لامة جده، يهتدي به الحائر ويسترشد به الضال وتستنير به العقول.
عاصر الإمام علي بن موسی الرضا عليه السلام، عهد الخليفة العباسة “هارون الرشيد” عشر سنوات ثم ابنه “الامين” ثم “المأمون” وقد اتسمت تلك الفترة بالقسوة والظلم والإرهاب وممارسة أشر أنواع التنکيل والتعذيب والقتل بحث ابناء أهل البيت عليه السلام.
وبمناسبة حلول ذكرى استشهاد الإمام الرضا عليه السلام، نتطرق إلى أهم أسباب إقدام المأمون على سمّ الإمام عليه السلام واغتياله.
لقد كان الإمام الرضا عليه السلام يعلم بانه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اضافة إلى الإلهام الإلهي له، لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحي. وقد أخبر الإمام عليه السلام جماعة من الناس بأنه سيدفن قرب هارون، وقيل ان هارون كان يخطب في مسجد المدينة والامام حاضر فقال عليه السلام:” تروني واياه ندفن في بيت واحد”.
وحينما انشده دعبل الخزاعي قصيدته – بعد ولاية العهد- وانتهى إلى قوله:
وقبر ببغداد لنفس زكية تضمّنها الرحمن في الغرفات
قال له الإمام عليه السلام: أفلا أُلحق لك بهذا الموضع يتبين بهما تمام قصيدتك؟
فقال: بلى يا اين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عليه السلام:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة توقد في الاحشاء بالحرقات
فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟
فقال الإمام عليه السلام: “قبري، ولاتنقضي الايام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري…” (عيون اخبار الرضا).
فمن الاسباب التي دعت المأمون إلى سمّ الإمام الرضا عليه السلام انه لم يحصل على ما أراد من توليته للعهد، فقد حدثت فتنة جديدة، هي تمرد العباسيين عليه ومحاولتهم القضاء عليه.
ومن الأسباب التي وردت عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي في قوله:(… وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا، فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلا عندهم، ومحلا في نفوسهم، وجلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة.
وكان الناس يقولون: والله إنّه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه، فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده.
وكان الإمام الرضا عليه السلام لا يُحابي المأمون في حق، وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله؛ فيغيظه ذلك، ويحقد عليه، ولا يظهره له، فلمّا أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم .وقد نصحه الإمام عليه السلام، بأن يبعده عن ولاية العهد لبغض البعض لذلك، وقد علّق إبراهيم الصولي على ذلك بالقول: كان هذا والله السبب فيما آل الأمر إليه .إضافة إلى ذلك أن بعض وزراء المأمون وقوّاده كانوا يبغضون الإمام عليه السلام، ويحسدونه، فكثرت وشاياتهم على الإمام عليه السلام، فأقدم المأمون على سمّه .
وبدأت علامات الموت تظهر على الإمام عليه السلام، بعد أن أكل الرمان أو العنب الذي أطعمه المأمون، وبعد خروج المأمون ازدادت حالته الصحية تدهورا، وكان آخر ما تكلم به: (قُل لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُورا).
ودخل عليه المأمون باكيا، ثم مشى خلف جنازته حافيا حاسراً يقول: “يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك”، وشق لحد هارون ودفنه بجنبه .
وقد رثاه دعبل الخزاعي قائلاً:
أرى أمية معذورين إن قتلوا ولا أرى لبني العباس من عذر
أربع بطوس على قبر الزكي به إن كنت تربع من دين على خطر
قبران في طوس خير الناس كلّهم وقبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما على الزكي بقرب الرجس من ضرر
وكانت شهادة الإمام الرضا عليه السلام في آخر صفر سنة (٢٠٣ هـ).
ان الثورة العليمة الهائلة التي قدمها الإمام الرضا عليه السلام للعالم الإسلامي بل للعالم الانساني عامة ولاتباع أهل البيت خاصة قد شملت ألوان العلوم والمعارف من فلسفة وكلام وطب وفقه وتفسير وتاريخ وتربية وآداب وسياسة واجتماع.. .
وقد أتاح المأمون من حيث لايشعر فرصة ذهبية لظهور الإمام عليه السلام وبروزه إلى الساحة الاجتماعية وتحدّيه لكل العلماء الذين جمعهم لتضعيف الإمام وتسقيطه من خلال المواجهة العلمية التي جمع من اجلها علماء الفرق والاديان. واستجاب علماء الفرق والمذاهب الاسلامية لدعوة المأمون حتى طرحوا أعقد الاسئلة على الإمام الرضا عليه السلام، تحقيقا لرغبة المأمون، فسألوه عما كان عامضا لديهم، في مختلف ابواب المعرفة فأجابهم الإمام عليه السلام على جميعها، متحديا جبروت المامون والعباسيين خاصة وسائر من يجهل فضل أهل البيت عليهم السلام عامة.
وفي رحاب مواعظه وقصار كلماته:
* قال الرضا عليه السلام: “لايكون المؤمن مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه وسنّة من نبيه (صلى الله عليه وآله) وسنّة من وليه (عليه السلام). فأما السنّة من ربّه فكتمان السر. اما السنة من نبيه(صلى الله عليه وآله) فمدارة الناس. وأما السنّة من وليّه (عليه السلام) فالصبر في البأساء والضراء”.
* وقال عليه السلام: صاحب النعمة يجب ان يوسّع على عياله.
* وقال عليه السلام: من أخلاق الانبياء التنظف.
* وقال عليه السلام: الصمت باب من ابواب الحكمة، ان الصمت يكسب المحبة أنه
دليل على كل خير.
* وقال عليه السلام: التودد إلى الناس نصف العقل.
* وقال عليه السلام: صل رحمك ولو بشربة من ماء.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعت حيّا.